تورمت ساق عروة بن الزبير، رضي الله عنه، وجعل الورم يشتد ويمتد بسرعة مذهلة، وأجمع الأطباء على أنه لا مندوحة من بتر ساق عروة قبل أن يسري الورم إلى جسده كله، ويكون سبباً في القضاء عليه، فلم يجد بدّاً من الإذعان لذلك.
ولما حضر الجرّاح لبتر الساق، قال لعروة: أرى أن نسقيك جُرعة من مُسكِرٍ لكي لا تشعر بآلام البتر المُبَرِّحة، فقال: هيهات، لا أستعين بحرام على ما أرجوه من العافية، فقال له: إذن نسقيك المخدِّر، فقال: ما أُحبّ أن أُسلَب عضواً من أعضائي من دون أن أشعر بألمه، وأحتسب ذلك عند الله.
ولما همَّ الجَرَّاح بقطع الساق، تقدم نحو عروة طائفةٌ من الرجال فقال: ما هؤلاء؟!... فقيل له: لقد جيء بهم ليُمسكوك، فلربما اشتد عليك الألم، فجذبتَ قدمكَ جذبةً أضرّت بك، فقال: رُدّوهم.. لا حاجة لي بهم، وإني لأرجو أن أكفيَكُمْ ذلك بالذكر والتسبيح، ثم أقبل عليه الطبيب، فقطع اللحم بالمِبْضَع، ولما بلغ العظم وضع عليه المنشار وطفق ينشره به، وعروة يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وما فتئ الجراح ينشر، وعروة يهلّل ويكبّر حتى بُترَت الساق.
من كتاب «صور من حياة التابعين»
للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا
0 تعليق
اتبع التعليمات لاضافة تعليق