ما كاد عمر بن عبدالعزيز ينفض يديه من تراب قبر سلفه سليمان بن عبدالملك، حتى سمع للأرض من حوله رجة، فقال: ما هذه؟! فقالوا: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين، قد أعدت لك لتركبها، فنظر إليها عمر بطرف عينه، وقال: ما لي ولها؟! نحُّوها عني بارك الله عليكم، وقربوا لي بغلتي، وما كاد يستوي على ظهر البغلة حتى جاء صاحب الشُّرَط ليمشي بين يديه ومعه ثلة من رجاله وفي أيديهم حرابهم اللامعة، فالتفت إليه وقال: ما لي بك وبهم حاجة، فما أنا إلا رجل من المسلمين، أغدو كما يغدون، وأروح كما يروحون.
ثم سار وسار الناس معه حتى دخل المسجد، ونودي في الناس: الصلاة جامعة.. الصلاة جامعة، فتسايل الناس على المسجد من كل ناحية، فلما اكتملت جموعهم، قام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه، ثم قال: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر على غير رأي مني فيه ولا طلب له، ولا مشورة من المسلمين، وإني خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم خليفة ترضونه، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك.
من كتاب «صور من حياة التابعين» للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا
0 تعليق
اتبع التعليمات لاضافة تعليق