الجمعة، 17 يناير 2020

اتقوا يوما

حب الوطن لا يتعارض مع الانتماء إلى الإسلام

اتقوا يوما بتاريخ عدد التعليقات : 0


عني القرآن الكريم عناية كبيرة بتنمية الشعور الوطني، وربط الإنسان بالمكان الذي ولد ونشأ وتربى فيه، فالولاء للوطن يوفر له كل فرص الحماية والأمان.. فضلاً عن الجهود التي تبذل لتنميته وتحقيق ازدهاره.. ولا شك في أن قتل الشعور الوطني داخل الإنسان من شأنه أن يعرض الوطن لمشكلات وأزمات كثيرة وخطيرة.
ومن مظاهر العظمة في دستورنا الخالد وسمو تشريعاته غرس محبة الأوطان في نفوس أتباعه ليزداد تمسكهم بترابها، وحرصهم على الارتقاء بها، والتفاني في خدمتها، وتقديم مصلحتها العامة على مصالحهم الشخصية.
فلا يوجد كتاب سماوي غرس حب الوطن في نفوس أتباعه كما فعل القرآن، ولا يوجد نظام بشري فرض على الإنسان أن يعمل ويكدح ويخلص ويضحي بحياته كلها دفاعاً عن وطنه كما فعلت شريعة الإسلام التي تستمد تعاليمها وأحكامها من القرآن دستور المسلمين العظيم.
هذا ما يقوله د. أسامة العبد الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر ورئيس لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري والذي يوضح أن قضية الوعي بالوطن وبمشروعية الدولة الوطنية من القضايا المهمة التي يجب أن تحظى بعناية علماء ودعاة الإسلام والقائمين على وسائل التربية والتعليم والإعلام، حيث يجب أن نتخذ من تعاليم القرآن مدخلاً لدعم صمودها، والعمل على رقيها وتقدمها وازدهارها.. معتبراً ذلك أحد أهم المرتكزات لصياغة الشخصية السوية، وإحدى أهم دعائم الولاء والانتماء للوطن والحفاظ على أمنه ومقدراته.

أصل راسخ

ويضيف: مشروعية الدولة الوطنية أمر غير قابل للجدل أو التشكيك، بل هو أصل راسخ، وكل ما يدعم بناء الدولة وقوتها هو من صميم اعتقادنا الإيماني، وكل ما يؤدي إلى الفساد أو الإفساد أو التخريب أو زعزعة الانتماء الوطني إنما يتعارض مع كل القيم والمبادئ الدينية والوطنية التي جاء القرآن الكريم لتعزيزها.
ويؤكد الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر أن دعم صمود الدولة الوطنية أمر يحث عليه القرآن الكريم، وهو الآن الوحيد من الأزمات الفكرية التي تعانيها منطقتنا العربية نتيجة مخططات أعداء الوطن الذين يسعون إلى زعزعة الانتماء الوطني والتشكيك في مشروعية الدولة الوطنية الحديثة، التي تقوم على مبادئ المواطنة، والمساواة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وتتجاوز بحسم محاولات الارتداد للولاءات المذهبية أو الطائفية أو العرقية أو القبلية.

حق المواطنة

ويحذر د. العبد من هؤلاء الذين يسعون إلى مسخ الهوية الوطنية في بلادنا العربية والإسلامية ويؤكد أنهم يحاولون ضرب هويتنا في مقتل، ويقول: الإسلام بتعاليمه وتشريعاته يسعى إلى تحديد الأسس والقواعد التي تنظم حقوق الأفراد وواجباتهم، وترسم حدود العلاقات البينية بين الأفراد من جهة، وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها وهيئاتها من جهة أخرى، وهو ما يمكن تسميته «الحق في المواطنة» وهذا المفهوم أحد أهم إنجازات الحضارة الحديثة، وطبقاً لهذه الحضارة فإن مفهوم «حق المواطنة» يقوم على أساس المساواة في الحقوق والواجبات من دون النظر إلى الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى، فالاعتبار الوحيد هنا هو الإنسانية والمواطنة.
ويوضح د. العبد أن القرآن الكريم أرسى بتعاليمه مبدأ سيادة القانون الذي لا يجوز أن تعلو عليه سلطة من سلطات الدولة، ولا يجوز أن يتجاوزه حاكم ولا صاحب نفوذ؛ وهذه السيادة ركن أساسي لإدارة دولة حديثة، مع تأكيد أهمية الدين باعتباره مصدراً لمنظومة الأخلاق والقيم المجتمعية في الدولة المدنية الحديثة، وأهمية حمايته من الاستغلال.
لذا فإن صيانة أجهزة الدولة تكمن في مراجعة تطبيقات سيادة القانون في جوانب ونشاطات الدولة المختلفة، بما يحقق هدف دولة القانون بإشاعة العدالة العامة والتصدي للفوضى، حيث يعتبر جميع الناس متساوين أمام القانون، مهما اختلفت أديانهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو أوضاعهم الاجتماعية، ومن دون نظر للعرق أو اللون أو غير ذلك.

حوافز قرآنية

د. عبد الله النجار أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث بالأزهر، يضم صوته إلى صوت د. العبد ويؤكد أن القرآن الكريم يربط المسلم بوطنه ويفرض عليه أن يرفع راية الجهاد ضد كل من تسول له نفسه العدوان على أرض الإسلام واستنزاف خيرات المسلمين، وإهدار حقوقهم، ويضيف: القرآن الكريم يفرض على المسلم أن يحارب كل من يحاول إخراجه من دياره حيث يقول الحق سبحانه: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، فهذا النص القرآني يؤكد أن طرد المسلمين من أوطانهم من الأمور الخطيرة التي تستوجب إعلان الجهاد دفاعاً عن الأوطان، كما أن العدوان على الدين وهو الذي يحدد هوية المسلم ويرسم ملامح شخصيته، يستوجب الجهاد والتضحية ومن هذا النص القرآني تتضح لنا قيمة الوطن وأهمية الدفاع عنه والحفاظ على استقلاله حيث قرنه الخالق سبحانه بالدفاع عن الدين، أي أن العدوان على الدين والوطن من الأمور الخطيرة التي تفرض على المسلم أن يجاهد بنفسه وماله ولو سقط في ساحة المواجهة وهو يدافع عن دينه ووطنه كان من الشهداء، يقول الحق سبحانه وتعالى: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين» أي أن الذين يدافعون عن دينهم وأوطانهم شهداء أبرار وقد عوضهم الله عن الحياة الدنيا الزائلة الفانية بحياة أفضل في جنة الخلد وسوف يفرحون بما أنعم الله به عليهم من نعم لا مثيل لها في الدنيا.
وهكذا يقدم القرآن الحوافز المجزية للذين يدافعون عن دينهم وأوطانهم ويدفعهم دفعاً إلى التضحية بكل ما يملكون لكي يظل دينهم مرفوع الراية تصل هدايته للناس، وتظل أوطانهم محررة مستقلة لا يدنسها المعتدون الآثمون.

تخيير مرفوض

ويوضح د. النجار أن الانتماء للوطن لا يتعارض أبداً مع الانتماء الأكبر الذي غرسه فينا القرآن الكريم وهو الانتماء للإسلام، حيث لا يوجد تناقض بين حب الوطن والانتماء إليه والحرص عليه والتصدي للدفاع عنه؛ وبين الانتماء للإسلام، ومن هنا لا يجوز تخيير المسلم ولا تخوينه لدينه إذا ما عبر عن مشاعره الوطنية، كما لا يجوز طعن وطنيته إذا ما برزت مشاعره الدينية.
ويضيف: القرآن الكريم يتحدث عن حب الإنسان لوطنه كقرين لحب هذا الإنسان للحياة، ولذلك فإن الإخراج من الوطن مساوٍ للقتل الذي يُخرج الإنسان من عداد الأحياء، ومن بنود المواثيق التي أخذها الله على بعض الأمم نتعلم أن الإخراج من الديار، معادل لسفك الدماء والإخراج من الحياة، يقول الحق سبحانه: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُم لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم من دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً منكُم من دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إخراجهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».


no image
تقييمات المشاركة : حب الوطن لا يتعارض مع الانتماء إلى الإسلام 9 على 10 مرتكز على 10 ratings. 9 تقييمات القراء.

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

اتبع التعليمات لاضافة تعليق
  • يرجى ترك تعليق على الموضوع. سيتم حذف التعليقات التي تتضمن روابط مباشرة، والإعلانات، أو ما شابه ذلك.
  • لإضافة كود ضعه في : هنا الكود
  • لإضافة كود طويل ضعه في : هنا الكود
  • لإضافة اقتباس ضعه في : اكتب هنا
  • لإضافة صورة ضعها في : رابط الصورة هنا
  • لإضافة فيديو استعمل : [iframe] هنا رابط تضمين الفيديو [/iframe]
  • * قبل ادخال كود عليك بتحويله أولا
  • شكرا لك