الجمعة، 17 يناير 2020

اتقوا يوما

لا حرية مطلقة في استخدامك مالك

اتقوا يوما بتاريخ عدد التعليقات : 0


كفلت الشريعة الإسلامية للفرد حرية التصرف في‮ ‬ماله،‮ ‬داخل ضوابط تختلف تبعاً‮ ‬لنوع التصرف،‮ ‬ذلك أن التصرف قد‮ ‬يكون استعمالاً للمال،‮ ‬أي‮ ‬انتفاع المالك بما‮ ‬يملك واستخدامه في‮ ‬إشباع حاجاته،‮ ‬وقد‮ ‬يكون استغلالاً للمال،‮ ‬أي‮ ‬استخدامه في‮ ‬الحصول على عائد من التصرف فيه،‮ ‬سواء باستخدامه في‮ ‬الإنتاج الزراعي‮ ‬أو الصناعي‮ ‬أو الخدمي‮ ‬والحصول على أرباح هذا الاستغلال،‮ ‬أو بتأجيره والحصول على أجرة مقابل المنفعة التي‮ ‬يحصل عليها المستأجر،‮ ‬أو بغير ذلك من طرق التصرف المشروعة.
واستعمال المال في ظل فلسفة الإسلام يحدده كما يقول أستاذ الاقتصاد الإسلامي د. يوسف إبراهيم إطار من ثلاثة مبادئ هي:
‮- ‬عدم إباحة الإسراف والتبذير في‮ ‬استعمال المال في‮ ‬إشباع الحاجات‮.‬
‮- ‬عدم إباحة التقتير بالتقصير مع القدرة في‮ ‬إشباع الحاجات المشروعة‮.‬
‮- الاعتدال في‮ ‬استعمال المال،‮ ‬ويتحقق ذلك بمحاولة الحصول على أكبر نفع ممكن من استعمال المال في‮ ‬الدنيا والآخرة‮.‬
والآيات والأحاديث المقررة لهذا الإطار كثيرة،‮ ‬نكتفي‮ ‬منها بقول الله تعالى‮: ‬
‮«‬والذين إذا أنفقوا لم‮ ‬يسرفوا ولم‮ ‬يقتروا وكان بين ذلك قواماً‮»‬،‮ ‬وهدف هذا الضابط تجنب ضياع المال،‮ ‬وتوجيهه إلى تحقيق أكبر نفع لمالكه،‮ ‬وحفظ المجتمع من الآثار السلبية لكل من الإسراف والتقتير‮.‬
ويتضمن إطار ممارسة حرية استغلال المال ثلاثة ضوابط هي:

‮الحلال والحرام‮

هذا الضابط مؤداه الوقوف عند ما أحلته الشريعة أو حرمته من ممارسات‮. ‬ففي‮ ‬مزاولة الإنتاج،‮ ‬للمسلم أن‮ ‬يبحث عن أكفأ أساليب الإنتاج،‮ ‬بل إن ذلك تكليف فوق أنه حق له لا‮ ‬يرد عليه أي‮ ‬قيد،‮ ‬وفي‮ ‬اختيار السلع والخدمات التي‮ ‬ينتجها عليه أن‮ ‬يتجنب الخبائث التي‮ ‬حرمتها الشريعة،‮ وفي‮ ‬ميدان التبادل على الفرد أن‮ ‬يتجنب أيضاً الخبائث وهذا يعني ‬أن السلع والخدمات المحرمة الاستعمال بين المسلمين ليس من حق المسلم أن‮ ‬ينتجها أو‮ ‬يتداولها أو‮ ‬يستثمر فيها،‮ ‬أما حرمة إنتاجها والاستثمار فيها فواضحة،‮ ‬إذ إن إنتاجها نوع من العبث إن كان المجتمع لا يطلب هذه السلع ‬كما هو المفروض في‮ ‬المجتمع المسلم،‮ وأما حرمة تداولها فقد قررها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن تداول وبيع ما حرم استعماله ليستعمله‮ ‬غير المسلمين ويستفيد المسلم بثمنه فقال‮: «‬إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه» ‬وتحريم الثمن‮ ‬يعني‮ ‬تحريم كل ما‮ ‬يتعلق بالشيء من أنشطة وعمليات اقتصادية‮.‬

لا ضرر ولا ضرار

وهذا الضابط‮ ‬يتمثل في‮ ‬تكليف الإسلام للفرد وهو بمعرض استخدام أمواله في‮ ‬عمليات الاستغلال المختلفة بألا‮ ‬يضر بغيره ضرراً مؤكداً أو ضرراً مقصوداً،‮ ‬إذ لا تقر الشريعة استخدام المال بطريقة توقع الضرر بالآخرين،‮ ‬عاملين كانوا أو مستهلكين،‮ ‬أو متنافسين في‮ ‬الميدان الإنتاجي‮ ‬أو‮ ‬غيرهم‮. ‬يقول النبي‮ ‬ صلى الله عليه وسلم ‮ «‬لا ضرر ولا ضرار‮» ‬وقد اعتبر هذا الحديث في‮ ‬الإسلام أصلاً‮ ‬من أصول التشريع،‮ ‬ومن هنا جاءت حرمة اتباع سياسة الإغراق،‮ ‬ووجدنا عمر بن الخطاب رضي‮ ‬الله عنه ‮ ‬يقول لحاطب بن أبي‮ ‬بلتعة وقد رآه‮ ‬يخفض أسعار الزبيب الذي‮ ‬يبيعه بصورة فهم منها عمر أنه‮ ‬يستهدف إغراق السوق من أجل السيطرة على هذه السلعة ‮ «‬إما أن ترفع السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت‮».‬وعن هذا الأصل أيضاً جاءت حرمة الاحتكار والنهي‮ ‬عنه،‮ ذلك أن المحتكر‮ ‬يستخدم أمواله في‮ ‬الإضرار بالناس،‮ ‬ويتعارض سلوكه مع هذا الأصل من أصول الشريعة‮.‬
ولا‮ ‬يكتفي‮ ‬الإسلام بمنع استخدام المال في‮ ‬إيقاع الضرر بالغير،‮ ‬وإنما‮ ‬يطلب من المسلم أن‮ ‬يسمو ويسمح باستخدام أمواله فيما‮ ‬يعود بالنفع على الآخرين،‮ ‬يقول النبي،‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮: «‬لا‮ ‬يمنع أحدكم جاره أن‮ ‬يغرز خشبه في‮ ‬جداره‮» ‬ما دام هذا الاستخدام لا‮ ‬يضر بالمال أو صاحبه.‬
وهناك أنواع من الاستغلال اعتبرتها الشريعة ضرراً مؤكداً،‮ ‬أي‮ ‬ضارة بطبعها،‮ ‬فليس للإنسان رأي‮ ‬في‮ ‬ذلك،‮ ‬مثل استغلال المال بطريق الربا أو تقديمه على سبيل الرشوة،‮ ‬فليس من حق صاحب المال أن‮ ‬يستخدمه بهذا الأسلوب الذي‮ ‬هو في‮ ‬الشريعة أكل لأموال الناس بالباطل،‮ ‬والله‮ ‬يقول‮: «‬ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون‮»‬،‮ ‬ويقول سبحانه‮: «‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي‮ ‬من الربا إن كنتم مؤمنين‮»‬،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يستقيم إيمان شخص مع أكله الربا على الإطلاق‮.‬

أولويات الإنفاق

وحرية استغلال الفرد أمواله مقيدة أيضاً بضرورة اتباع الترتيب الذي‮ ‬وضعته الشريعة لإشباع الحاجات،‮ تبعاً لوجود أولويات لبعض المنتجات على بعضها الآخر،‮ حسب في مكانتها في‮ ‬سلم الاحتياجات وسد الحاجات‮.‬
فهناك ضروريات لا تستقيم الحياة من دونها،‮ ‬وهناك حاجات تصعب الحياة وتشق في‮ ‬غيبتها،‮ ‬وهناك كماليات أو تحسينات تجمل الحياة وتطيب في‮ ‬ظل توفرها،‮ ‬واتباعاً من الفرد لهذا المنهج الذي‮ ‬وضعته الشريعة لا‮ ‬ينبغي‮ ‬له أن‮ ‬يوجه موارده وإمكاناته إلى إنتاج الكماليات أو التحسينات،‮ ‬إذا كان الناس بحاجة إلى الحاجيات والضروريات‮. ‬وكان في‮ ‬مقدوره أن‮ ‬يقدم من المنتجات ما‮ ‬يفي‮ ‬ببعض هذه الحاجات،‮ ‬ولا‮ ‬ينبغي‮ ‬له أن‮ ‬يوجه موارده وإمكاناته إلى إنتاج الحاجيات إذا كان الناس تنقصهم الضروريات‮. ‬وهذا السلوك الإنتاجي‮ ‬للمسلم‮ ‬يدخل تحت القاعدة التي‮ ‬تقول بتقديم الأهم على الأقل أهمية،‮ ‬وعلى المسلم أن‮ ‬يبذل جهده في‮ ‬التعرف إلى حاجات مجتمعه،‮ ‬وأن‮ ‬يستخدم قدراته في‮ ‬تلبيتها على الترتيب الذي‮ ‬وضعته الشريعة.

no image
تقييمات المشاركة : لا حرية مطلقة في استخدامك مالك 9 على 10 مرتكز على 10 ratings. 9 تقييمات القراء.

مواضيع قد تهمك

0 تعليق

اتبع التعليمات لاضافة تعليق
  • يرجى ترك تعليق على الموضوع. سيتم حذف التعليقات التي تتضمن روابط مباشرة، والإعلانات، أو ما شابه ذلك.
  • لإضافة كود ضعه في : هنا الكود
  • لإضافة كود طويل ضعه في : هنا الكود
  • لإضافة اقتباس ضعه في : اكتب هنا
  • لإضافة صورة ضعها في : رابط الصورة هنا
  • لإضافة فيديو استعمل : [iframe] هنا رابط تضمين الفيديو [/iframe]
  • * قبل ادخال كود عليك بتحويله أولا
  • شكرا لك