يغلق الإسلام دائماً باب اليأس والإحباط، ويفتح كل نوافذ الأمل والتفاؤل في نفوس أتباعه، وحتى هؤلاء العصاة الذين اقترفوا الذنوب والآثام- كبيرها وصغيرها- وانساقوا وراء الشيطان ولم يلتزموا طريق الهداية والصلاح يفتح الإسلام أمامهم طريق الخلاص وقنوات النجاة، حتى لا يتمادى من أغواهم الشيطان ويستمروا في طريق المعصية، وهم لا يدركون خطورة ذلك على حياتهم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، ولا يعلمون أن الذنوب والمعاصي التي تعودوا عليها وأدمنوها تجلب لهم الفقر والمرض فضلاً عما ينتظر هؤلاء العصاة والمذنبين من عقوبات رادعة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
طريق التوبة - كما يؤكد كبار علماء الإسلام - سهل وميسور لكل العصاة والمذنبين، وليس هناك معاص وذنوب لا يغفرها الخالق عز وجل، ولذلك ينبغي أن يبادر المسلم - رجلاً كان أو امرأة- بالتخلص من ذنوبه وآثامه ويبدأ صفحة جديدة من حياته.
«الخليج» التقت اثنين من كبار العلماء ليوضحا مواصفات التوبة النصوح التي تخلص المسلم من كل ما ارتكب من معاص ويقدما نصائحهما لكل مسلم يريد التخلص من آثامه حتى لا يتوب المسلم باللسان وقلبه متعلق بالمعاصي.
يوضح د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، حقيقة التوبة وساحتها الرحبة في الإسلام فيقول: التوبة هي أن يرجع الإنسان المذنب أو العاصي إلى خالقه، يلتمس منه العفو والمغفرة والرحمة بعد أن انحرف عن طريق الله المستقيم، فالتوبة تكون من ذنب، ولذلك فإن أول خطوة للإنسان على طريق التوبة الصادقة تتمثل في اعترافه بالذنب، ثم الإقلاع عنه، والندم على فعله، والاستغفار منه، والعزم على ألا يعود إليه أبداً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
طريق سهل
ويضيف: ليس هناك ذنب مستعص على التوبة، فالله سبحانه وتعالى فتح طريق التوبة لكل المذنبين من عباده، وحثهم على المبادرة بالتخلص من المعاصي والذنوب، فقال تعالى: «وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون»، وقال أيضاً: «يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه».
بهذه النصوص القرآنية الكريمة فإن المطلوب من المسلم العاصي أو المذنب أن يبادر بالتوبة ليتخلص من ذنوبه وآثامه ليعود طاهراً من الذنوب كيوم ولدته أمه، فطريق التوبة سهل وميسور أو مفروش بالورود لكل العصاة والمذنبين.
وعن كيفية إدراك المسلم لحجم ما ارتكب من ذنوب وآثام تتطلب توبة، يؤكد مفتي مصر السابق، أن كل مسلم يدرك بحسه الديني ما ارتكب من ذنوب تستوجب التوبة، فمثلاً كثير من الرجال ينظرون إلى النساء بشهوة ويتحرشون بهن، وكثير من الرجال والنساء يمارسون الغيبة والنميمة يومياً، وبعضنا يأكل الحرام ويكسب من تجارات وأعمال محرمة، وبعضنا أقام علاقات محرمة مع نساء.. وكل هذه ذنوب وآثام تستوجب توبة صادقة.
تصرف خاطئ
ويمضي قائلاً: المسلم الحق مطالب بمراجعة ومحاسبة نفسه أولاً بأول، والمسارعة إلى التوبة بعد كل ذنب، والتوبة من الذنوب ليس لها موسم معين ينبغي أن ينتظره المسلم، صحيح أن الله سبحانه وتعالى قد جعل بعض الفرائض مكفرات للذنوب وتخليص المسلم من معاصيه وتطهيره من آثامه مثل الصوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفريضة الحج التي بشر الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، كل من أداها بإخلاص والتزم بالآداب والأخلاقيات السامية في أدائها بغفران ذنوبه فقال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه». ولكن مع وجود هذه النفحات الإلهية فإن على المسلم أن يبادر بالكف عن المعاصي والندم عليها والتخلص منها بعد كل ذنب، ومن رحمة الله عز وجل بالمسلم العاصي أنه يشعر دائماً بتأنيب الضمير، حتى لو تمكن منه الشيطان، ويظل شاعراً بالذنب حتى يجد من يساعده على التوبة، وهذه مسؤولية العلماء والدعاة الذين يجب أن ييسروا للناس طريق التوبة ويزرعوا في نفوسهم الأمل.
ومن هنا يجب أن يعلم كل مسلم أنه مطالب بالإسراع إلى التوبة وإهمال البعض لها أو تأخيرها إلى مرحلة الشيخوخة تصرف خاطئ، فالإنسان لا يدري متى ينتهي عمره، فقد يموت بعد ارتكابه الذنب مباشرة ويلقى الله من دون توبة وهو محمل بالذنوب والآثام، ولذلك لا معنى لتأخير التوبة، فهذا ليس تفكير عقلاء، والمطلوب من المسلم أن يبادر بالتوبة بعد ارتكاب الذنب مباشرة.
نوعان من الذنوب
وعن شروط ومواصفات التوبة الصادقة أو التوبة النصوح يقول الشيخ علي أبو الحسن، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر: العلماء حددوا للتوبة الصادقة ثلاثة شروط:
- الأول: الإقلاع عن الذنب.
- الثاني: الندم على ما ارتكب من ذنوب ومعاص.
- الثالث: العزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى. وهذه الشروط إذا كان الذنب يتعلق بحق من حقوق الله، أما إذا كان الذنب متعلقاً بحق من حقوق العباد، كسرقة أموالهم أو أخذها منهم عن طريق التزوير والخداع، أو نهب مال عام فإن التوبة تتوقف على رد المسروق إلى صاحبه، أو المسامحة فيه.. والتوبة في كل الأحوال لا تقبل من الإنسان العاصي إلا إذا كانت خالصة لوجه الله، صادرة من أعماق القلب، حيث لا يكفي اللسان للتلفظ بكلمات التوبة.
وعلى كل مسلم ارتكب ذنباً ويريد أن يتوب عنه أن يكون مخلصاً في توبته صادقاً في التخلص من الذنوب والآثام، وعليه أن يطمئن إلى عفو الله ورحمته به، وهذا العفو له دلالات قد تظهر وقد لا تظهر، وقد قال بعض العلماء إن التوبة النصوح هي التي تطهر صاحبها، وتمنعه من العودة إلى الذنب مرة أخرى.
العودة إلى المعصية
وعن العودة إلى الذنب مرة أخرى، يقول الشيخ أبو الحسن: لا شك أن شياطين الجن والإنس دائماً تطارد الإنسان وتغريه بارتكاب المعاصي، خاصة لو كان لهذا الإنسان سابق معرفة بهم وتعاون معهم وسار في فلكهم، ولذلك فهم لن يتركوه يستمتع بحياة التوبة والاستقامة والصلاح، بل سيطاردونه في كل وقت وبوسائل ومداخل متعددة، ولو حدث واستجاب لهم الإنسان التائب وارتكب معاصي جديدة فعليه أن يسارع بالتخلص منها بالتوبة مرة أخرى فالإسلام يفتح للعصاة باب الأمل على مصراعيه، ولكننا ننصح المسلم بالصمود في وجه كل الشياطين حتى يغفر الله له ما تقدم من ذنبه، وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله: يا رسول الله. أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية. ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر».
ولذلك قال بعض العلماء: إن من أهم شروط التوبة النصوح ألا يعود الإنسان إلى الذنب مرة أخرى، فمن تاب من ذنب ولم يعد إليه أبداً لم يؤاخذ به. أما إن عاد إلى ذنبه السابق فإنه يؤاخذ بالذنب في المرتين الأولى والثانية، لكن علماء آخرين يرون أنه لا يشترط لصحة التوبة النصوح عدم العودة إلى الذنب نفسه حتى الممات، بل يكفي لصحة التوبة النصوح العزم على ألا يعود، لأن الإنسان جبل على الضعف كما قال تعالى: «وخلق الإنسان ضعيفاً» ولأن العزم على عدم العود هو ما يملكه الإنسان بيقين فكان التكليف به لعموم قوله تعالى: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
وما يجب التأكيد عليه هنا هو أن عفو الله تعالى يسع جميع التائبين تشجيعاً لهم على البعد عن المعاصي والآثام، وترغيباً لهم في الإقبال على الله تعالى، وصدق الحق سبحانه حيث يقول: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون».
0 تعليق
اتبع التعليمات لاضافة تعليق